فصل: تفسير الآيات (10- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (10- 12):

{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)}
المرض عباة مستعارة للفساد الذي في عقائد هؤلاء المنافقين وذلك إما أن يكون شكاً، وإما حجداً بسبب حسدهم مع علمهم بصحة ما يحجدون، وبنحو هذا فسر المتأولون.
وقال قوم: المرض غمهم بظهور أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقرأ الأصمعي عن أبي عمر: {مرْض} بسكون الراء وهي لغة في المصدر قال أبو الفتح: وليس بتخفيف.
واختلف المتأولون في معنى قوله: {فزادهم الله مرضاً} فقيل هو دعاء عليهم، وقيل هو خبر أن الله قد فعل بهم ذلك، وهذه الزيادة هي بما ينزل من الوحي ويظهر من البراهين، فهي على هؤلاء المنافقين عمى وكلما كذبوا زاد المرض.
وقرأ حمزة: {فزادهم} بكسر الزاي، وكذلك ابن عامر. وكان نافع يشم الزاي إلى الكسر، وفتح الباقون. و{أليم} معناه مؤلم كما قال الشاعر وهو عمرو بن معدي كرب: [الوافر].
أمن ريحانة الداعي السميع

بمعنى: مسمع.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر {يُكذِّبون} بضم الياء وتشديد الذال.
وقرأ الباقون بفتح الياء وتخفيف الذال. فالقراءة بالتثقيل يؤيدها قوله تعالى قبل {وما هم بمؤمنين} فهذا إخبار بأنهم يكذبون. والقراءة بالتخفيف يؤيدها أن سياق الآيات إنما هي إخبار بكذبهم، والتوعد بالعذاب الأليم، متوجه على التكذيب، وعلى الكذب في مثل هذه النازلة، إذ هو منطوٍ على الكفر، وقراءة التثقيل أرجح. و{إذا} ظرف زمان، وحكي عن المبرد أنها في قولك في المفاجأة خرجت فإذا زيد ظرف مكان، لأنها تضمنت جثة، وهذا مردود لأن المعنى خرجت فإذا حضور زيد فإنما تضمنت المصدر، كما يقتضيه سائر ظروف الزمان، ومنه قولهم: اليوم خمر، وغداً أمر فمعناه وجود خمر ووقوع أمر، والعامل في {إذا} في هذه الآية {قالوا}. وأصل {قيل} قول نقلت حركة الواو إلى القاف فقلبت ياء لانكسار ما قبلها.
وقرأ الكسائي: قُيل وغُيض وسُيء وسُيئت وحُيل وسُيق وجُيء بضم أوائل ذلك كله. وروي مثل ذلك عن ابن عامر. وروي أيضاً عنه أنه كسر غِيض وقِيل وجِيء، الغين القاف والجيم حيث وقع من القرآن وضم نافع من ذلك كله حرفين سُيء وسُيئت وكسر ما بقي. وكان ابن كثير وعاصم وأبوعمرو وحمزة يكسرون أوائل هذه الحروف كلها، والضمير في {لهم} هو عائد إلى المنافقين المشار إليهم قبل.
وقال بعض الناس: الإشارة هنا هي إلى منافقي اليهود.
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: لم يجئ هؤلاء بعد ومعنى قوله: لم ينقرضوا بل هم يجيئون في كل زمان.
و{لا تفسدوا في الأرض} معناه بالكفر وموالاة الكفرة، و{نحن} اسم من ضمائر المرفوع مبني على الضم، إذ كان اسماً قوياً يقع للواحد المعظم والاثنين والجماعة، فأعطي أسنى الحركات.
وأيضاً فلما كان في الأغلب ضمير جماعة، وضمير الجماعة في الأسماء الظاهرة الواو أعطي الضمة إذ هي أخت الواو، ولقول المنافقين: {إنما نحن مصلحون} ثلاث تأويلات:
أحدها: جحد أنهم مفسدون وهذا استمرار منهم على النفاق.
والثاني: أن يقروا بموالاة الكفار ويدعون أنها صلاح من حيث هم قرابة توصل.
والثالث: أنهم مصلحون بن الكفار والمؤمنين، فلذلك يداخلون الكفار. و{ألا} استفتاح كلام، وإن بكسر الألف استئناف، و{هم} الثاني رفع بالابتداء، و{المفسدون} خبره والجملة خبر إن، ويحتمل أن يكون فصلاً ويسميه الكوفيون: العماد ويكون {المفسدون} خبر إن فعلى هذا لا موضع ل {هم} من الإعراب، ويحتمل أن يكون تأكيداً للضمير في أنهم فموضعه نصب، ودخلت الألف واللام في قوله: {المفسدون} لما تقدم ذكر اللفظة في قوله: {لا تفسدوا} فكأنه ضرب من العهد، ولو جاء الخبر عنهم ولم يتقدم من اللفظة ذكر لكان ألا إنهم مفسدون، قاله الجرجاني.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الألف واللام تتضمن المبالغة كما تقول زيد هو الرجل أي حق الرجل، فقد تستغني عن مقدمة تقتضي عهداً، و{لكن} بجملته حرف استدراك، ويحتمل أن يراد هنا لا يشعرون أنهم مفسدون، ويحتمل أن يراد لا يشعرون أن الله يفضحهم، وهذا مع أن يكون قولهم {إنما نحن مصلحون} جحداً محضاً للإفساد. والاحتمال الأول هو بأن يكون قولهم: {إنما نحن مصلحون} اعتقاداً منهم أنه صلاح في صلة القرابة، أو إصلاح بين المؤمنين والكافرين.

.تفسير الآيات (13- 14):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)}
المعنى صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وشرعه، مثل ما صدقه المهاجرون والمحققون من أهل يثرب، قالوا: أنكون كالذين خفت عقولهم؟ والسفه الخفة والرقة الداعية إلى الخفة يقال ثوب سفيه إذا كان رقيقاً مهلهل النسج، ومنه قول ذي الرمة: [الطويل]
مشين كما اهتزت رماح تسفهت ** أعاليَها مرّ الرياح النواسم

وهذا القول إنما كانوا يقولونه في خفاء فأطلع الله عليه نبيه والمؤمنين، وقرر أن السفه ورقة الحلوم وفساد البصائر إنما هو في حيزهم وصفة لهم، وأخبر أنهم لا يعلمون أنهم السفهاء للرَّين الذي على قلوبهم.
وقال قوم: الآية نزلت في منافقي اليهود، والمراد بالناس عبد الله بن سلام ومن أسلم من بني إسرائيل.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تخصيص لا دليل عليه.
و{لقوا} أصله لقيوا استثقلت الضمة على الياء فسكنت فاجتمع الساكنان فحذفت الياء. وقرأ ابن السميفع {لاقوا الذين}. وهذه كانت حال المنافقين إظهار الإيمان للمؤمنين وإظهار الكفر في خلواتهم بعضهم مع بعض، وكان المؤمنون يلبسونهم على ذلك لموضع القرابة فلم تلتمس عليهم الشهادات ولا تقرر تعينهم في النفاق تقرراً يوجب لوضوحه الحكم بقتلهم وكان ما يظهرونه من الإيمان يحقن دماءهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنهم ويدعهم في غمرة الاشتباه مخافة أن يتحدث عنه أنه يقتل أصحابه فينفر الناس حسبما قال عليه السلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال له في وقت قول عبد الله بن أبي ابن سلول: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} القصة: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال: دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
فهذه طريقة أصحاب مالك رضي الله عنه في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين مع علمه بكفرهم في الجملة: نص على هذا محمد بن الجهم وإسماعيل القاضي والأبهري وابن الماجشون واحتج بقوله تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين إينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً} [الأحزاب: 60-61]. قال قتادة: معناه إذا هم أعلنوا النفاق.
قال مالك رحمه الله: النفاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزندقة فينا اليوم، فيقتل الزنديق إذا شهد عليه بها دون استتابة، لأنه لا يظهر ما يستتاب منه، وإنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ليسن لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه إذ لم يشهد على المنافقين.
قال القاضي إسماعيل: لم يشهد على عبد الله بن أبي إلا زيد بن أرقم وحده، ولا على الجلاس بن سويد إلا عمير بن سعد ربيبه وحده، ولو شهد على أحد منهم رجلان بكفره ونفاقه لقتل.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: أقوى من انفراد زيد وغيره أن اللفظ ليس بصريح كفر وإنما يفهم من قوته الكفر.
قال الشافعي رحمه الله: السنة فيمن شهد عليه بالزندقة فجحد وأعلن بالإيمان وتبرأ من كل دين سوى الإسلام أن ذلك يمنع من إراقة دمه. وبه قال أصحاب الرأي والطبري وغيرهم.
قال الشافعي وأصحابه: وإنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام بألسنتهم مع العلم بنفاقهم لأن ما يظهرونه يجب ما قبله فمن قال إن عقوبة الزنادقة أشد من عقوبة الكفار فقد خالف معنى الكتاب والسنة وجعل شهادة الشهود على الزنديق فوق شهادة الله على المنافقين.
قال الله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1].
قال الشافعي وأبو حنيفة وابن حنبل وأهل الحديث: فالمعنى الموجب لكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين مع العلم بهم أن الله تعالى نهاه عن قتلهم إذا أظهروا الإيمان وصلوا فكذلك والزنديق.
واحتج ابن حنبل بحديث عبيد الله بن عدي بن الخيار عن رجل من الأنصار في الذي شهد عليه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنفاق فقال: «أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا بلى ولا شهادة له، قال: أليس يصلى؟ قالوا بلى ولا صلاة له، قال: أولئك الذين نهاني الله عنهم».
وذكر أيضاً أهل الحديث ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيهم: «لعل الله سيخرج من أصلابهم من يؤمن بالله ويصدق المرسلين ويخلص العبادات لرب العالمين».
قال أبو جعفر الطبري في كتاب اللطيف في باب المرتد: إن الله تعالى قد جعل الأحكام بين عباده على الظاهر وتولى الحكم في سرائرهم دون أحد من خلقه فليس لأحد أن يحكم بخلاف ما ظهر لأنه حكم بالظنون، ولو كان ذلك لأحد كان أولى الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حكم للمنافقين بحكم المسلمين بما أظهروا ووكل سرائرهم إلى الله وقد كذب الله ظاهرهم في قوله تعالى: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1].
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ينفصل المالكيون عما ألزموه من هذه الآية بأنها لم تعين أشخاصهم وإنما جاء فيها توبيخ لكل مغموض عليه بالنفاق وبقي لكل واحد منهم أن يقول لم أرد بها ولا أنا إلا مؤمن ولو عين أحد لما جب كذبه شيئاً.
وقوله تعالى: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} وصلت {خلوا} ب {إلى} وعرفها أن توصل بالباء فتقول خلوت بفلان من حيث نزلت {خلوا} في هذا الموضع منزلة ذهبوا وانصرفوا، إذ هو فعل معادل لقوله: {لقوا}، وهذا مثل ما تقدم من قول الفرزدق: [الرجز]
كيف تراني قالباً مِجَنِّي ** فقد قتل الله زياداً عني

لما أنزله منزلة صرف ورد.
قال مكي: يقال خلوت بفلان بمعنى سخرت به فجاءت إلى في الآية زوالاً عن الاشتراك في الباء. وقال قوم: {إلى} بمعنى مع، وفي هذا ضعف ويأتي بيانه إن شاء الله في قوله تعالى: {من أنصاري إلى الله} [آل عمران: 52، الصف: 14].
وقال قوم: {إلى} بمعنى الباء إذ حروف المعاني يبدل بعضها من بعض. وهذا ضعيف يأباه الخليل وسيبويه وغيرهما.
واختلف المفسرون في المراد بالشياطين فقال ابن عباس رضي الله عنه: هم رؤساء الكفر.
وقال ابن الكلبي وغيره: هم شياطين الجن.
قال القاضي أبو محمد: وهذا في الموضع بعيد.
وقال جمع من المفسرين: هم الكهان. ولفظ الشيطنة الذي معناه البعد عن الإيمان والخير يعم جميع من ذكر والمنافقين حتى يقدر كل واحد شيطان غيره، فمنهم الخالون، ومنهم الشياطين.
و{مستهزئون} معناه نتخذ هؤلاء الذين نصانعهم بإظهار الإيمان هزواً ونستخف بهم.
ومذهب سيبويه رحمه الله أن تكون الهمزة مضمومة على الواو في {مستهزئون}. وحكى عنه علي أنها تخفف بين بين.
ومذهب أبي الحسن الأخفش أن تقلب الهمزة ياء قلباً صحيحاً فيقرأ {مستهزِيُون}.
قال ابن جني: حمل الياء الضمة تذكراً لحال الهمزة المضمومة والعرب تعاف ياء مضمومة قبلها كسرة.
وأكثر القراء على ما ذهب إليه سيبويه، ويقال: هزئ واستهزأ بمعنى، فهو كعجب واستعجب، ومنه قول الشاعر [أوس بن حجر]: [الطويل]
ومستعجب مما يرى من أناتنا ** ولو زبنته الحرب لم يترمرم

.تفسير الآيات (15- 16):

{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)}
اختلف المفسرون في هذا الاستهزاء فقال جمهور العلماء: هي تسمية العقوبة باسم الذنب. والعرب تستعمل ذلك كثيراً، ومنه قول الشاعر [عمرو بن كلثوم]: [الوافر].
ألا لا يجهلنْ أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وقال قوم: إن الله تعالى يفعل بهم أفعالاً هي في تأمل البشر هزو حسبما يروى أن النار تجمدت كما تجمد الإهالة فيمشون عليها ويظنونها منجاة فتخسف بهم، وما يروى أن أبواب النار تفتح لهم فيذهبون إلى الخروج، نحا هذا المنحى ابن عباس والحسن، وقال قوم: استهزاؤه بهم هو استدارجهم من حيث لا يعلمون، وذلك أنهم بدرور نعم الله الدنيوية عليهم يظنون أنه راض عنهم وهو تعالى قد حتم عذابهم، فهذا على تأمل البشر كأنه استهزاء.
{ويمدهم} معناه يزيدهم في الطغيان. وقال مجاهد: معناه يملي لهم، قال يونس بن حبيب: يقال مد في الشر وأمد في الخير وقال غيره: مد الشيء ومده ما كان مثله ومن جنسه، وأمدّه ما كان مغايراً له، تقول: مدّ النهر ومدّه نهر آخر، ويقال أمدّه.
قال اللحياني: يقال لكل شيء دخل فيه مثله فكثره مده يمده مدّاً، وفي التنزيل: {والبحر يمده من بعده سبعة أبحر} [لقمان: 27]. ومادة الشيء ما يمده دخلت فيه الهاء للمبالغة.
قال ابن قتيبة وغيره: مَدَدْت الدواة وأمَددْتُها بمعنى.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: يشبه أن يكون مددتها جعلت إلى مدادها آخر، وأمددتها جعلتها ذات مداد، مثل قبر، وأقبر، وحصر، وأحصر، ومددنا القوم صرنا لهم أنصاراً، وأمددناهم بغيرنا. وحكى اللحياني أيضاً أمدّ الأمير جنده بالخيل، وفي التنزيل: {وأمددناكم بأموال وبنين} [الإسراء: 6].
قال بعض اللغويين: {ويمدهم في طغيانهم} يمهلهم ويلجهم.
قال القاضي أبو محمد: فتحتمل اللفظة أن تكون من المد الذي هو المطل والتطويل، كما فسر في: {عمد ممددة} [الهمزة: 9]. ويحتمل أن تكون من معنى الزيادة في نفس الطغيان، والطغيان الغلو وتعدي الحد كما يقال: طغا الماء وطغت النار. وروي عن الكسائي إمالة طغيانهم.
و{يعمهون} يترددون، حيرة، والعمه الحيرة من جهة النظر، والعامه الذي كأنه لا يبصر من التحير في ظلام أو فلاة أو هم.
وقوله: {أولئك} إشارة إلى المتقدم ذكرهم، وهو رفع بالابتداء و{الذين} خبره، و{اشتروا} صلة ل {الذين}، وأصله اشتريوا تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً فحذفت لالتقاء الساكنين، وقيل استثقلت الضمة على الياء فسكنت وحذفت للالتقاء وحركت الواو بعد ذلك للالتقاء بالساكن بعدها، وخصت بالضم لوجوه منها أن الضمة أخت الواو وأخف الحركات عليها، ومنها أنه لما كانت واو جماعة ضمت كما فعل بالنون في نحنُ.
ومنها أنها ضمت إتباعاً لحركة الياء المحذوفة قبلها.
قال أبو علي: صار الضم فيها أولى ليفصل بينها وبين واو أو ولو إذ هذان يحركان بالكسر.
وقرأ أبو السمال قعنب العدوي بفتح الواو في: {اشتروَا الضلالة}.
وقرأها يحيى بن يعمر بكسر الواو. والضلالة والضلال: التلف نقيض الهدى الذي هو الرشاد إلى المقصد.
واختلف عبارة المفسرين عن معنى قوله: {اشتروا الضلالة بالهدى} فقال قوم: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى.
وقال آخرون: استحبوا الضلالة وتجنبوا الهدى كما قال تعالى: {فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: 17].
وقال آخرون: الشراء هنا استعارة وتشبيه، لما تركوا الهدى وهو معرض لهم ووقعوا بدله في الضلالة واختاروها شبهوا بمن اشترى فكأنهم دفعوا في الضلالة هداهم إذ كان لهم أخذه.
وبهذا المعنى تعلق مالك رحمه الله في منع أن يشتري الرجل على أن يتخير في كل ما تختلف آحاد. جنسه ولا يجوز فيه التفاضل.
وقال قوم: الآية فيمن كان آمن من المنافقين ثم ارتد في باطنه وعقده ويقرب الشراء من الحقيقة على هذا.
وقوله تعالى: {فما ربحت تجارتهم} ختم للمثل بما يشبه مبدأه في لفظة الشراء، وأسند الربح إلى التجارة كما قالوا: ليل قائم ونهار صائم. والمعنى فما ربحوا في تجارتهم.
وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة {فما ربحت تجاراتهم} بالجمع.
وقوله تعالى: {وما كانوا مهتدين} قيل المعنى في شرائهم هذا، وقيل على الإطلاق، وقيل في سابق علم الله، وكل هذا يحتمله اللفظ.